فصل: الحكم الوضعيّ (الأثر)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


تشوّف

التّعريف

1 - التّشوّف لغة‏:‏ مصدر تشوّف‏.‏ يقال‏:‏ تشوّفتِ الأوعالُ‏:‏ إذا علت رءوس الجبال تنظر السّهل وخلوّه ممّا تخافه لتَرِدَ الماء‏.‏

ومنه قيل تشوّف فلان لكذا‏:‏ إذا طمح بصره إليه‏.‏ ثمّ استعمل في تعلّق الآمال، والتّطلّب‏.‏

والمُشوِّفة من النّساء‏:‏ الّتي تظهر نفسها ليراها النّاس‏.‏

وتشوّفت المرأة‏:‏ تزيّنت وتطلّعت للخطاب - من شفّت الدّرهم‏:‏ إذا جلوته‏.‏ ودينار مشوّف‏:‏ أي مجلوّ - وهو أن تجلو المرأة وجهها وتصقل خدّيها‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للفظ تشوّف عن معانيه الواردة في اللّغة‏.‏

وقيل‏:‏ التّشوّف بمعنى التّزيّن خاصّ بالوجه، والتّزيّن عامّ يستعمل في الوجه وغيره‏.‏

الحكم الإجماليّ

أ - تشوّف الشّارع لإثبات النّسب‏:‏

2 - من القواعد المقرّرة في الشّريعة الإسلاميّة‏:‏ أنّ الشّارع متشوّف للحاق النّسب، لأنّ النّسب أقوى الدّعائم الّتي تقوم عليها الأسرة، ويرتبط به أفرادها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَهو الّذي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهْرَاً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرَاً‏}‏‏.‏

ولاعتناء الشّريعة بحفظ النّسب وتشوّفها لإثباته تكرّر فيها الأمر بحفظه عن تطرّق الشّكّ إليه، والتّحذير من ذرائع التّهاون به‏.‏ ولمراعاة هذا المقصد اتّفق الفقهاء على اعتبار الأحوال النّادرة في إلحاق النّسب، لتشوّف الشّارع لإثباته‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ نسب‏)‏‏.‏

ب - التّشوّف إلى العتق‏:‏

3 - من محاسن الإعتاق أنّه إحياء حكميّ، يخرج العبد من كونه ملحقا بالجمادات إلى كونه أهلا للكرامات البشريّة، من قبول الشّهادة والولاية والقضاء‏.‏

ويقع العتق عند الفقهاء من كلّ‏:‏ مكلّف مسلم - ولو سكران أو هازلا ولو دون نيّة - لتشوّف الشّارع إلى الحرّيّة بلا خلاف بين الفقهاء‏.‏

وقد أجمعوا على أنّه من حيث الأصل تصرّف مندوب إليه، ويجب لعارض، ويحصل به القربة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتحرير رقبة مؤمنة‏}‏ وقوله عزّ وجلّ ‏{‏فكّ رقبة‏}‏‏.‏ ولخبر «أيّما مسلم أعتق مؤمنا أعتق اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النّار» ‏(‏ر‏:‏ عتق، إعتاق‏)‏‏.‏

ج - التّشوّف في العدّة‏:‏

4 - المطلّقة الرّجعيّة لها أن تتزيّن، لأنّها حلال للزّوج، لقيام نكاحها ما دامت في العدّة، والرّجعة مستحبّة، والتّزيّن حامل عليها فيكون مشروعاً‏.‏

وهذا عند الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة‏.‏

أمّا الشّافعيّة‏:‏ فيرون أنّه يستحبّ لها الإحداد‏.‏ فلا يستحبّ لها التّزيّن‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ الأولى أن تتزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ عدّة‏)‏ ولا خلاف بين الفقهاء في تحريم الزّينة على المتوفّى عنها زوجها مدّة عدّتها، لوجوب الإحداد عليها‏.‏

وأمّا المبانة في الحياة بينونة كبرى، فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوال‏:‏ فذهب الحنفيّة، والشّافعيّة في قول إلى أنّه يحرم عليها الزّينة، حدادا وأسفا على زوجها، وإظهارا للتّأسّف على فوت نعمة النّكاح، الّذي هو سبب لصونها وكفاية مئونتها، ولحرمة النّظر إليها، وعدم مشروعيّة الرّجعة‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ يستحبّ لها الإحداد‏.‏

وفي قول‏:‏ الإحداد واجب على ما تقدّم، وأمّا المالكيّة فقالوا‏:‏ لا إحداد إلا على المتوفّى عنها زوجها فقط‏.‏ ومفاده‏:‏ لا إحداد على المبانة وإن استحبّ لها في عدّتها‏.‏

ولا يسنّ لها الإحداد عند الحنابلة، ولهذا لا يلزمها أن تتجنّب ما يرغّب في النّظر إليها من الزّينة‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ عدّة‏)‏‏.‏

د - التّشوّف للخطاب‏:‏

5 - يرى الفقهاء أنّه لا يجوز للّتي تكون صالحة للخطبة والزّواج أن تتزيّن استعداداً لرؤية من يرغب في خطبتها والزّواج بها‏.‏

وأجمعوا على أنّه يجوز للخاطب أن يرى بنفسه من يرغب في زواجها لكي يقدم على العقد إن أعجبته، ويحجم عنه إن لم تعجبه، لخبر «إذا خطب أحدكم امرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» وذلك لأنّه من أسباب الألفة والوئام‏.‏

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه «أنّه خطب امرأة، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنظرتَ إليها‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ فقال‏:‏ اذهب فانظر إليها، فإنّه أحرى أن يُؤْدَم بينكما»‏.‏

ويرى أكثر الفقهاء أنّ للخاطب أن ينظر إلى الوجه والكفّين فقط، لأنّ رؤيتهما تحقّق المطلوب من الجمال وخصوبة الجسد وعدمها‏.‏ فيدلّ الوجه على الجمال أو ضدّه لأنّه مجمع المحاسن، والكفّان على خصوبة البدن‏.‏ وأجاز بعض الحنفيّة النّظر إلى الرّقبة والقدمين‏.‏ وأجاز الحنابلة النّظر إلى ما يظهر عند القيام بالأعمال، وهي ستّة أعضاء‏:‏ الوجه، والرّأس، والرّقبة، واليد، والقدم، والسّاق، لأنّ الحاجة داعية إلى ذلك، ولإطلاق الأحاديث السّابقة‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ نكاح، خطبة‏)‏‏.‏

تشييع الجنازة

انظر‏:‏ جنازة‏.‏

تصادق

التّعريف

1 - التّصادق لغة واصطلاحاً‏:‏ ضدّ التّكاذب يقال‏:‏ تصادقا في الحديث والمودّة ضدّ تكاذبا ومادّة تفاعل لا تكون غالباً إلا بين اثنين يقال‏:‏ تحابّا وتخاصما، أي أحبّ أو خاصم كلّ منهما الآخر ‏.‏ واستعمل المالكيّة أيضاً ‏(‏التّقارر‏)‏ بمعنى التّصادق‏.‏

حكم التّصادق

2 - حكم التّصادق في الجملة - في حقّ المتصادقين إذا تعلّقت به حقوق العباد، أو كان في حقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات - اللّزوم، وهو أبلغ من الشّهادة، لأنّه نوع من الإقرار‏.‏ قال أشهب‏:‏ قول كلّ أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره‏.‏

أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات فليس بلازم‏.‏

من يعتبر تصادقه

3 - التّصادق الّذي يعتدّ به ويترتّب عليه حكم يكون من البالغ العاقل المختار، فلا يعتبر تصديق الصّغير وغير العاقل‏.‏

صفة التّصادق

4 - صفة التّصديق لفظ أو ما يقوم مقامه يدلّ على توجّه الحقّ قبل المقرّ ‏(‏المصدّق‏)‏‏.‏ ويقوم مقام اللّفظ‏:‏ الإشارة والكتابة والسّكوت‏.‏ فالإشارة من الأبكم ومن المريض‏.‏ فإذا قيل للمريض‏:‏ لفلان عندك كذا، فأشار برأسه أن نعم، فهذا تصديق إذا فهم عنه مراده‏.‏

ما يشترط في المصادق

5 - يشترط في المصادق أن يكون أهلاً للاستحقاق، وألا يكذّبه المصادق، فإذا كذّب المصادق المصادق ثمّ رجع لم يفد رجوعه، إلّا أن يرجع المصادق إلى ما أقرّ به‏.‏

محلّ التّصادق

6 - يكون التّصديق في النّسب والمال‏.‏ والتّصديق في النّسب ينظر تحت عنوان ‏(‏نسب‏)‏‏.‏ والتّصديق في المال نوعان‏:‏ مطلق ومقيّد‏.‏

فالمطلق‏:‏ ما صدر غير مقترن بما يقيّده أو يرفع حكمه أو حكم بعضه، فإذا كان التّصديق على هذا الوجه فهو ملزم لمن صدّق، وعليه أداء ما صدّق فيه، ولا يجوز له الرّجوع عنه‏.‏ وإذا كان التّصديق مقيّداً بقيد ففي لزومه أو عدمه تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏إقرار‏)‏‏.‏

التّصادق في حقوق اللّه تعالى

7 - إذا تصادق اثنان أو أكثر على إسقاط حقّ من حقوق اللّه تعالى فلا عبرة بتصادقهم، ولا يترتّب عليه حكم، إلّا إذا قامت بيّنة على هذا التّصادق، فيكون الحكم في هذه الحال ثابتا بالبيّنة لا بالتّصادق، ويتّضح ذلك من الأمثلة الآتية‏:‏

إن طلّق الزّوج زوجته قبل الدّخول، وكان قد خلا بها، لزمتها العدّة إن كان الزّوج بالغاً، وكانت المرأة مطيقة للوطء، سواء أكانت خلوة اهتداء أم خلوة زيارة‏.‏

وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏ وتجب العدّة حينئذ ولو تصادقا على نفي الوطء، لأنّ العدّة حقّ اللّه تعالى، فلا تسقط بالتّصادق‏.‏

ويؤخذ بتصادقهما على نفي الوطء فيما هو حقّ لهما‏:‏ فلا نفقة لها، ولا يتكمّل لها الصّداق، ولا رجعة له عليها‏.‏ أي كلّ من أقرّ منهما أخذ بإقراره اجتماعاً أو انفراداً‏.‏

ويترتّب على قبول التّصادق أو ردّه أحكام كثيرة، كثبوت النّسب من تاريخ الخلوة، وتأكيد المهر، والنّفقة والسّكن والعدّة، وحرمة نكاح أختها في عدّتها وأربع سواها‏.‏ وفي هذه المذاهب اختلاف في الحقوق الّتي تترتّب على الخلوة‏.‏ تفصيله في باب‏:‏ ‏(‏النّكاح‏)‏‏.‏

وعند الشّافعيّة في القديم قولان أحدهما‏:‏ الخلوة مؤثّرة، وتصدّق المرأة في ادّعاء الإصابة ‏(‏الوطء‏)‏ والقول الثّاني أنّها كالوطء‏.‏ وفي الجديد‏:‏ إنّ الخلوة وحدها لا تؤثّر في المهر‏.‏ وعلى هذا لو اتّفقا على حصول الخلوة، وادّعت الإصابة لم يترجّح جانبها، بل القول قوله بيمينه‏.‏ ويفهم من ذلك أنّه لو صدّقها يتقرّر المهر كلّه‏.‏

التّصادق في النّكاح

8 - لا يثبت النّكاح بالتّصادق، لأنّ الشّهادة شرط فيه، ووقتها عند غير المالكيّة وقت العقد، وعند المالكيّة يندب الإشهاد وقت العقد، فإن لم يشهد عند العقد اشترط وجوبا عند الدّخول، ولا حدّ عندهم إن فشا النّكاح بوليمة أو ضرب دفّ أو دخان، أو كان على العقد أو الدّخول شاهد واحد غير الوليّ، لصحّة النّكاح في هذه الصّور‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ تثبت الزّوجيّة بالتّقارر - أي التّصادق - حقّ الزّوجين إذا كانا بلديّين، أو كان أحدهما بلديّا، وأمّا الطّارئان - أي من لم يكونا من أهل البلد، سواء قدما معاً أو مفترقين - فلا تثبت الزّوجيّة بينهما بمجرّد التّصادق‏.‏

حكم تصادق الزّوجين على طلاق سابق

9 - إذا أقرّ رجل في حالة الصّحّة بطلاق بائن أو رجعيّ متقدّم على وقت إقراره، ولا بيّنة له، استأنفت امرأته العدّة من وقت إقراره، فيصدّق في الطّلاق، لا في إسناده للوقت السّابق ولو صدّقته، لأنّه يتّهم على إسقاط العدّة وهي حقّ للّه تعالى‏.‏ فإن كانت له بيّنة، فالعدّة من الوقت الّذي أسندت إليه البيّنة‏.‏ هذا بالنّسبة للعدّة لأنّها حقّ اللّه تعالى‏.‏

أمّا بالنّسبة لحقوق الزّوجين فيعامل كلّ حسب إقراره، فلو ماتت الزّوجة، وكانت العدّة قد انقضت بحسب إقراره، فلا يرثها لأنّها صارت أجنبيّة على مقتضى دعواه، ولا رجعة له عليها إن كان الطّلاق رجعيّاً، وورثته إن مات في العدّة المستأنفة، حيث كان الطّلاق رجعيّا إن لم تصدّقه‏.‏ ولا يتزوّج أختها ولا أربعا سواها في العدّة، ولو صادقته على حصول الطّلاق في الماضي نفيا لتهمة التّواطؤ بينهما‏.‏

وإن صدّقته فلا نفقة لها معاملة لها بتصديقها إيّاه‏.‏ وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ أنّه لو أسند الزّوج الطّلاق إلى زمن ماض، وصدّقت الزّوجة الزّوج في الإسناد، فالعدّة من التّاريخ الّذي أسند إليه الطّلاق، ولو لم يقم على ذلك بيّنة‏.‏

والمفهوم من كلام الحنابلة أنّ الحكم عندهم كذلك‏.‏ فقد جاء في شرح منتهى الإرادات‏:‏ لو جاءت امرأة حاكماً وادّعت أنّ زوجها طلّقها وانتهت عدّتها، فله تزويجها بشرطه إن ظنّ صدقها، ولا سيّما إن كان الزّوج لا يعرف، لأنّ الإقرار ‏(‏أي بالزّوجيّة‏)‏ لمجهول لا يصحّ‏.‏ وأيضاً الأصل صدقها - أي فيما ادّعته من خلوّها عن الزّوجيّة - ولا منازع‏.‏

حكم مصادقة الزّوجة على إعسار الزّوج

10 - يكتفى بتصديق الزّوجة زوجها في دعواه الإعسار، وتصديقها يقوم مقام البيّنة، ويترتّب عليه ما يترتّب على ثبوت الإعسار بالبيّنة من حيث الحكم بالتّطليق بشروطه المفصّلة في أبوابها وينظر ‏(‏إعسار، نفقة، مهر‏)‏‏.‏

الرّجوع في التّصديق

11 - تقدّم أنّ التّصديق ملزم لمن صدّق، وعلى ذلك فلا يجوز الرّجوع فيه بالنّسبة لحقوق العباد وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات، كالزّكاة، فمن صدّق المدّعي فيما ادّعاه عليه من حقّ فلا يجوز له الرّجوع متى توافرت شروط التّصديق‏.‏

ولو أقرّ بنسب، وصدّقه المقرّ له، ثمّ رجع المقرّ عن إقراره لا يقبل منه الرّجوع‏.‏

أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات كالحدود فإنّه إذا ثبت الحدّ بالإقرار فقط، فإنّه يجوز للمقرّ الرّجوع، سواء أكان الرّجوع قبل الحدّ أم بعده، وسقط الحدّ، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرّض لماعز بالرّجوع»، فلولا أنّه يفيد لما عرّض له به‏.‏

وعلّل الفقهاء عدم جواز الرّجوع في التّصديق بحقوق الآدميّين وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات‏:‏ بأنّ رجوعه نقض لما صدر منه وتعلّق به حقّ الغير، فإذا قال‏:‏ هذه الدّار لزيد، لا بل لعمرو، أو ادّعى زيد على ميّت شيئا معيّنا من تركته فصدّقه ابنه، ثمّ ادّعاه عمرو فصدّقه، حكم به لزيد، ووجبت عليه غرامته لعمرو، وهذا ظاهر أحد قولي الشّافعيّ‏.‏ وفي القول الآخر‏:‏ لا يغرم لعمرو شيئا، وهو قول أبي حنيفة، لأنّه أقرّ له بما عليه الإقرار به وإنّما منعه الحكم من قبوله وذلك لا يوجب الضّمان‏.‏

تصحيح

التّعريف

1 - التّصحيح لغة‏:‏ مصدر صحّح، يقال‏:‏ صحّحت الكتاب والحساب تصحيحاً‏:‏ إذا أصلحت خطأه، وصحّحته فصحّ‏.‏ والتّصحيح عند المحدّثين هو‏:‏ الحكم على الحديث بالصّحّة، إذا استوفى شرائط الصّحّة الّتي وضعها المحدّثون‏.‏ ويطلق التّصحيح أيضاً عندهم على كتابة

‏(‏صحّ‏)‏ على كلام يحتمل الشّكّ بأن كرّر لفظ مثلا لا يخلّ تركه‏.‏

والتّصحيح عند أهل الفرائض‏:‏ إزالة الكسور الواقعة بين السّهام والرّءوس‏.‏

والتّصحيح عند الفقهاء هو‏:‏ رفع أو حذف ما يفسد العبادة أو العقد‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّعديل‏:‏

2 - التّعديل‏:‏ مصدر عدّل، يقال‏:‏ عدّلت الشّيء تعديلا فاعتدل‏:‏ إذا سوّيته فاستوى‏.‏ ومنه قسمة التّعديل‏.‏ وعدّلت الشّاهد‏:‏ نسبته إلى العدالة‏.‏ وتعديل الشّيء‏:‏ تقويمه‏.‏

ب - التّصويب‏:‏

3 - التّصويب‏:‏ مصدر صوّب من الصّواب، الّذي هو ضدّ الخطأ، والتّصويب بهذا المعنى يرادف التّصحيح، وصوّبت قوله‏:‏ قلت‏:‏ إنّه صواب‏.‏

ج - التّهذيب‏:‏

4 - التّهذيب كالتّنقية، يقال‏:‏ هذّب الشّيء، إذا نقّاه وأخلصه‏.‏ وقيل‏:‏ أصلحه‏.‏

د - الإصلاح‏:‏

5 - الإصلاح ضدّ الإفساد، وأصلح الشّيء بعد فساده‏:‏ أقامه، وأصلح الدّابّة‏:‏ أحسن إليها‏.‏ هـ – التّحرير‏:‏

6 - تحرير الكتابة‏:‏ إقامة حروفها وإصلاح السّقط وتحرير الحساب‏:‏ إثباته مستوياً لا غلت فيه، ولا سقط ولا محو‏.‏ وتحرير الرّقبة‏:‏ عتقها‏.‏

الحكم التّكليفيّ

7 - تصحيح الفساد والخطأ أمر واجب شرعا متى عرفه الإنسان، سواء أكان ذلك في العبادات‏:‏ كمن اجتهد في معرفة القبلة وصلّى، ثمّ تبيّن الخطأ أثناء الصّلاة، فيجب تصحيح هذا الخطأ بالاتّجاه إلى القبلة، وإلا فسدت الصّلاة‏.‏

أم كان ذلك في المعاملات‏:‏ كالبيع بشرط مفسد للعقد، فيجب إسقاط هذا الشّرط ليصحّ البيع، وإلا وجب فسخ البيع دفعاً للفساد‏.‏

ما يتعلّق بالتّصحيح من أحكام

أوّلا‏:‏ تصحيح الحديث

8 - تصحيح الحديث هو‏:‏ الحكم عليه بالصّحّة لتوافر شروط خاصّة اشترطها علماء الحديث‏.‏ وقد يختلف المحدّثون في صحّة بعض الأحاديث لاختلافهم في بعض الشّروط، وفي تقديم بعضها على بعض‏.‏

فقد قرّر ابن الصّلاح والنّوويّ وغيرهما أنّه يحكم بصحّة الحديث المسند الّذي يتّصل إسناده بنقل العدل الضّابط عن العدل الضّابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذّاً ولا معلَّلاً‏.‏

قال ابن الصّلاح‏:‏ فهذا هو الحديث الّذي يحكم له بالصّحّة بلا خلاف بين أهل الحديث‏.‏ فإذا وجدت الشّروط المذكورة حكم للحديث بالصّحّة، ما لم يظهر بعد ذلك أنّ فيه شذوذاً‏.‏ والحكم بتواتر الحديث حكم بصحّته‏.‏ وقال بعض المحدّثين‏:‏ يحكم للحديث بالصّحّة إذا تلقّاه النّاس بالقبول، وإن لم يكن له إسناد صحيح‏.‏ قال ابن عبد البرّ - لما حكى عن التّرمذيّ أنّ البخاريّ صحّح حديث البحر‏:‏ «هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته» وأهل الحديث لا يصحّحون مثل إسناده - لكنّ الحديث عندي صحيح، لأنّ العلماء تلقّوه بالقبول‏.‏

وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينيّ‏:‏ تعرف صحّة الحديث إذا اشتهر عند أئمّة الحديث بغير نكير منهم‏.‏ وقال نحوه ابن فورك‏.‏

على أنّ هناك من اشترط غير ذلك للحكم بالصّحّة، كاشتراط الحاكم أن يكون راوي الحديث مشهوراً بالطّلب - أي طلب الحديث وتتبّع رواياته - وعن مالك نحوه، وكاشتراط أبي حنيفة فقه الرّاوي، وكاشتراط بعض المحدّثين العلم بمعاني الحديث، حيث يروى بالمعنى، قال السّيوطيّ‏:‏ وهو شرط لا بدّ منه، لكنّه داخل في الضّبط، وكاشتراط البخاريّ ثبوت السّماع لكلّ راو من شيخه، ولم يكتف بإمكان اللّقاء والمعاصرة‏.‏

أثر عمل العالم وفتياه في التّصحيح‏:‏

9 - قال النّوويّ والسّيوطيّ‏:‏ عمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكماً منه بصحّة الحديث ولا بتعديل رواته، لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا، أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر‏.‏ وصحّح الآمديّ وغيره من الأصوليّين أنّه حكم بذلك‏.‏ وقال إمام الحرمين‏:‏ إن لم يكن في مسالك الاحتياط - أي لم تكن الفتيا بمقتضى صحّة الحديث، بل للاحتياط -‏.‏ وفرّق ابن تيميّة بين أن يعمل به في التّرغيب وغيره‏.‏ كما أنّ مخالفة العالم للحديث لا تعتبر قدحا منه في صحّته ولا في رواته، لإمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره‏.‏

وقد روى الإمام مالك حديث الخيار، ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلافه، ولم يكن ذلك قدحاً في نافعٍ راويه‏.‏ وممّا لا يدلّ على صحّة الحديث أيضا - كما ذكر أهل الأصول - موافقة الإجماع له على الأصحّ، لجواز أن يكون المستند غيره‏.‏

وقيل‏:‏ يدلّ على صحّة الحديث‏.‏

تصحيح المتأخّرين من علماء الحديث‏:‏

10 - يرى الشّيخ ابن الصّلاح أنّه قد انقطع التّصحيح في هذه الأعصار، فليس لأحد أن يصحّح، بل يقتصر في الحكم بصحّة الحديث على ما اعتمده السّابقون، كما يرى عدم اعتبار الحديث صحيحا بمجرّد صحّة إسناده ما لم يوجد في مصنّفات أئمّة الحديث المعتمدة المشهورة، فأغلب الظّنّ أنّه لو صحّ عندهم لما أهملوه لشدّة فحصهم واجتهادهم‏.‏

وقد خالف الإمام النّوويّ ابن الصّلاح في ذلك، فقال‏:‏ والأظهر عندي جوازه لمن تمكّن وقويت معرفته‏.‏ قال الحافظ العراقيّ‏:‏ وهو الّذي عليه عمل أهل الحديث‏.‏

وقد صحّح جماعة من العلماء المتأخّرين أحاديث لم يعرف تصحيحهما عن الأقدمين‏.‏

ثانياً‏:‏ تصحيح العقد الفاسد

11 - الفقهاء عدا الحنفيّة لا يفرّقون في الجملة بين العقد الباطل والعقد الفاسد، فالحكم عند الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ أنّ العقد لا ينقلب صحيحاً برفع المفسد‏.‏

ففي كتب الشّافعيّة‏:‏ لو حذف العاقدان المفسد للعقد - ولو في مجلس الخيار - لم ينقلب العقد صحيحاً، إذ لا عبرة بالفاسد‏.‏

وفي المغني لابن قدامة‏:‏ لو باعه بشرط أن يسلّفه أو يقرضه، أو شرط المشتري ذلك عليه، فهو محرّم والعقد باطل، لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، وعن بيع ما لم يقبض، وعن بيعتين في بيعة، وعن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف»‏.‏ ولأنّه اشترط عقدا في عقد ففسد كبيعتين في بيعة، ولأنّه إذا اشترط القرض زاد في الثّمن لأجله، فتصير الزّيادة في الثّمن عوضا عن القرض وربحا له، وذلك ربا محرّم، ففسد كما لو صرّح به، ولأنّه بيع فاسد فلا يعود صحيحا كما لو باع درهما بدرهمين ثمّ ترك أحدهما‏.‏ وفي باب الرّهن قال‏:‏ لو بطل العقد لما عاد صحيحا‏.‏ وفي شرح منتهى الإرادات‏:‏ العقد الفاسد لا ينقلب صحيحاً‏.‏

وعند المالكيّة يصحّ العقد إذا حذف الشّرط المفسد للعقد، سواء أكان شرطا ينافي مقتضى العقد، أم كان شرطا يخلّ بالثّمن في البيع، إلّا أربعة شروط فلا يصحّ البيع معها ولو حذف الشّرط، وهي‏:‏

أ - من ابتاع سلعة بثمن مؤجّل على أنّه إن مات فالثّمن صدقة عليه، فإنّه يفسخ البيع ولو أسقط هذا الشّرط لأنّه غرر، وكذا لو شرط‏:‏ إن مات فلا يطالب البائع ورثته بالثّمن‏.‏

ب - شرط ما لا يجوز من أمد الخيار، فيلزم فسخه وإن أسقط لجواز كون إسقاطه أخذاً به‏.‏ ج - من باع أمة وشرط على المبتاع أن لا يطأها، وأنّه إن فعل فهي حرّة، أو عليه دينار مثلا، فيفسخ ولو أسقط الشّرط لأنّه يمين‏.‏

د - شرط الثّنيا يفسد البيع ولو أسقط الشّرط‏.‏ وزاد ابن الحاجب شرطا خامسا وهو‏:‏

هـ - شرط النّقد ‏(‏أي تعجيل الثّمن‏)‏ في بيع الخيار قال ابن الحاجب‏:‏ لو أسقط شرط النّقد فلا يصحّ‏.‏ وفي الإجارة جاء في الشّرح الصّغير‏:‏ تفسد الإجارة بالشّرط الّذي يناقض مقتضى العقد، ومحلّ الفساد إن لم يسقط الشّرط، فإن أسقط الشّرط صحّت‏.‏

ويوضّح ابن رشد سبب اختلاف الفقهاء في صحّة العقد بارتفاع المفسد أو عدم صحّته‏.‏ فيقول‏:‏ هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشّرط يرتفع الفساد إذا ارتفع الشّرط، أو لا يرتفع‏؟‏ كما لا يرتفع الفساد اللاحق للبيع الحلال من أجل اقتران المحرّم العين به، كمن باع غلاما بمائة دينار وزقّ خمر، فلمّا عقد البيع قال‏:‏ أدّع الزّقّ‏.‏ وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع‏.‏ وهذا أيضا ينبني على أصل آخر‏.‏ هو‏:‏ هل هذا الفساد معقول المعنى أو غير معقول‏؟‏ فإن قلنا‏:‏ هو غير معقول المعنى، لم يرتفع الفساد بارتفاع الشّرط‏.‏

وإن قلنا‏:‏ معقول، ارتفع الفساد بارتفاع الشّرط‏.‏ فمالك رآه معقولا، والجمهور رأوه غير معقول، والفساد الّذي يوجد في بيوع الرّبا والغرر هو أكثر ذلك غير معقول المعنى، ولذلك ليس ينعقد عندهم أصلا، وإن ترك الرّبا بعد البيع وارتفع الغرر‏.‏

12 - ويفرّق الحنفيّة بين العقد الباطل والعقد الفاسد فيصحّ عندهم - خلافا لزفر - تصحيح العقد الفاسد، بارتفاع المفسد دون الباطل، ويقولون في عقد البيع‏:‏ إنّ ارتفاع المفسد في الفاسد يردّه صحيحاً، لأنّ البيع قائم مع الفساد، ومع البطلان لم يكن قائماً بصفة البطلان، بل كان معدوماً‏.‏ وعند زفر‏:‏ العقد الفاسد لا يحتمل الجواز برفع المفسد‏.‏

لكنّ تصحيح العقد الفاسد عند الحنفيّة مقيّد بما إذا كان الفساد ضعيفا‏.‏ يقول الكاسانيّ‏:‏ الأصل عندنا أنّه ينظر إلى الفساد، فإن كان قويّا بأن دخل في صلب العقد - وهو البدل أو المبدل - لا يحتمل الجواز برفع المفسد، كما إذا باع عبدا ألف درهم ورطل من خمر، فحطّ الخمر عن المشتري فهو فاسد ولا ينقلب صحيحاً‏.‏

وإن كان الفساد ضعيفاً، وهو ما لم يدخل في صلب العقد، بل في شرط جائز يحتمل الجواز برفع المفسد، كما في البيع بشرط خيار لم يوقّت، أو وقّت إلى وقت مجهول كالحصاد، أو لم يذكر الوقت، وكما في البيع بثمن مؤجّل إلى أجل مجهول، فإذا أسقط الأجل من له الحقّ فيه قبل حلوله وقبل فسخه جاز البيع لزوال المفسد، ولو كان إسقاط الأجل بعد الافتراق على ما حرّره ابن عابدين‏.‏

وعلى هذا سائر البياعات الفاسدة بسبب ضرر يلحق بالبائع في التّسليم إذا سلّم البائع برضاه واختياره - كما إذا باع جذعا له في سقف، أو آجرّا له في حائط، أو ذراعا في ديباج - أنّه لا يجوز لأنّه لا يمكنه تسليمه إلّا بالنّزع والقطع، وفيه ضرر بالبائع، والضّرر غير مستحقّ بالعقد، فكان هذا على التّقدير بيع ما لا يجب تسليمه شرعا، فيكون فاسدا‏.‏ فإن نزعه البائع أو قطعه وسلّمه إلى المشتري قبل أن يفسخ المشتري البيع جاز البيع، لأنّ المانع من الجواز ضرر البائع بالتّسليم، فإذا سلّم باختياره ورضاه فقد زال المانع، فجاز البيع ولزم‏.‏ وعلى هذا سائر العقود الفاسدة عند الحنفيّة طبقا لقاعدة‏:‏ إذا زال المانع مع وجود المقتضي عاد الحكم‏.‏ ومن ذلك أنّ هبة المشاع فاسدة، فإن قسّمه وسلّمه جاز‏.‏ واللّبن في الضّرع، والصّوف على ظهر الغنم، والزّرع والنّخل في الأرض، والتّمر في النّخيل بمنزلة المشاع، لأنّها موجودة، وامتناع الجواز للاتّصال، فإذا فصّلها وسلّمها جاز لزوال المانع‏.‏ ومثل ذلك‏:‏ إذا رهن الأرض بدون البناء، أو بدون الزّرع والشّجر، أو رهن الزّرع والشّجر بدون الأرض، أو رهن الشّجر بدون الثّمر، أو رهن الثّمر بدون الشّجر أنّه لا يجوز، لأنّ المرهون متّصل بما ليس بمرهون، وهذا يمنع صحّة القبض‏.‏ ولو جذّ الثّمر وحصد الزّرع وسلّم منفصلا جاز لزوال المانع‏.‏

تصحيح العقد باعتباره عقداً آخر‏:‏

13 - هذا، ويمكن تصحيح العقد الفاسد إذا أمكن تحويله إلى عقد آخر صحيح لتوافر أسباب الصّحّة فيه، سواء أكانت الصّحّة عن طريق المعنى عند بعض الفقهاء، أم عن طريق اللّفظ عند البعض الآخر نظراً لاختلافهم في قاعدة ‏"‏ هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها ‏"‏‏.‏ ونوضّح ذلك بالأمثلة الآتية‏:‏

14 - في الأشباه لابن نجيم‏:‏ الاعتبار للمعنى لا للألفاظ، صرّحوا به في مواضع منها‏:‏ الكفالة، فهي بشرط براءة الأصيل حوالة، وهي بشرط عدم براءته كفالة‏.‏

وفي الاختيار‏:‏ شركة المفاوضة يشترط فيها أن يتساوى الشّريكان في التّصرّف والدّين والمال الّذي تصحّ فيه الشّركة‏.‏‏.‏ فلا تنعقد المفاوضة بين المسلم والذّمّيّ عند أبي حنيفة ومحمّد، فإذا عقد المسلم والذّمّيّ المفاوضة صارت عنانا عندهما، لفوات شرط المفاوضة ووجود شرط العنان، وكذلك كلّ ما فات من شرائط المفاوضة يجعل عنانا إذا أمكن، تصحيحاً لتصرّفهما بقدر الإمكان‏.‏

وفي الاختيار أيضاً‏:‏ عقد المضاربة، إن شرط فيه الرّبح للمضارب فهو قرض، لأنّ كلّ ربح لا يملك إلّا بملك رأس المال، فلمّا شرط له جميع الرّبح فقد ملّكه رأس المال، وإن شرط الرّبح لربّ المال كان إبضاعا، وهذا معناه عرفاً وشرعاً‏.‏

وجاء في منح الجليل‏:‏ من أحال على من ليس له عليه دين، وأعلم المحال، صحّ عقد الحوالة، فإن لم يعلمه لم تصحّ، وتنقلب حمالة أي كفالة‏.‏ وفي أشباه السّيوطيّ‏:‏ هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها‏؟‏ خلاف‏.‏ التّرجيح مختلف في الفروع‏.‏

ومن ذلك‏:‏ إذا قال‏:‏ أنت حرّ غدا على ألف‏.‏ إن قلنا‏:‏ بيع فسد ولا تجب قيمة العبد، وإن قلنا‏:‏ عتق بعوض، صحّ ووجب المسمّى‏.‏

ومنها‏:‏ لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثّمن الأوّل، فهو إقالة بلفظ البيع، وخرّجه السّبكيّ على القاعدة، والتّخريج للقاضي حسين قال‏:‏ إن اعتبرنا اللّفظ لم يصحّ، وإن اعتبرنا المعنى فإقالة‏.‏

ثالثاً‏:‏ تصحيح العبادة إذا طرأ عليها ما يفسدها

15 - من الأمور الّتي تطرأ على العبادة ما لا يمكن إزالته أو تلافيه كالأكل والشّرب والكلام والحدث والجماع، فهذه الأمور لا يمكن تلافيها، وهي تعتبر من مفسدات العبادة في الجملة‏.‏ هذا مع اختلاف الفقهاء في التّفصيل فيها بين القليل والكثير، وبين العمد والسّهو والجهل، وما هو معفوّ عنه أو غير معفوّ عنه‏.‏ فإذا طرأ شيء من ذلك على العبادة ففسدت فعلا - عند من يعتبر ذلك مفسدا - فلا مجال لتصحيح هذه العبادة، ويلزم إعادتها إن اتّسع وقتها، أو قضاؤها إن خرج الوقت‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏إعادة - قضاء‏)‏‏.‏

والكلام هنا إنّما هو فيما يطرأ على العبادة ممّا يعتبر من المفسدات مع إمكان إزالة المفسد أو تلافيه لتصحّ العبادة، مثل طروء النّجاسة أو كشف العورة وما شابه ذلك‏.‏

والفقهاء متّفقون في الجملة على‏:‏ أنّه إذا طرأ على العبادة ما شأنه أن يفسدها لو استمرّ وأمكن تلافيه وإزالته وجب فعل ذلك لتصحيح العبادة‏.‏ ونظراً لتعذّر حصر مثل هذه المسائل لكثرة فروعها في أبواب العبادة المختلفة، فيكتفى بذكر بعض الأمثلة الّتي توضّح ذلك‏:‏

16 - من اجتهد في معرفة القِبلة، وتغيّر اجتهاده أثناء الصّلاة استدار إلى الجهة الثّانية الّتي تغيّر اجتهاده إليها، وبنى على ما مضى من صلاته‏.‏

وكذلك إذا اجتهد فأخطأ، وبان له يقين الخطأ وهو في الصّلاة، بمشاهدة أو خبر عن يقين فإنّه يستدير إلى جهة الصّواب ويبني على ما مضى‏.‏

والدّليل على ذلك أنّ أهل قباء لمّا بلغهم نسخ القبلة وهم في صلاة الفجر استداروا إليها،

«واستحسن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل أهل قباء، ولم يأمرهم بالإعادة»‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏استقبال - قبلة - صلاة‏)‏‏.‏

17 - من وقعت عليه نجاسة يابسة - وهو في الصّلاة - فأزالها سريعاً صحّت صلاته، لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال‏:‏ «بينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي بأصحابه، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلمّا رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم، فلمّا قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاته قال‏:‏ ما حملكم على إلقاء نعالكم‏؟‏‏.‏ قالوا‏:‏ رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا‏.‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّ جبريل أتاني، فأخبرني أنّ فيهما قذراً»‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏نجاسة - صلاة‏)‏‏.‏

18 - من انكشفت عورته وهو في الصّلاة - بأن أطارت الرّيح سترته فانكشفت عورته - فإن أعادها سريعاً صحّت صلاته‏.‏

ولو صلّى عرياناً لعدم وجود سترة، ثمّ وجد سترة قريبة منه ستر بها ما وجب ستره، وبنى على ما مضى من صلاته، قياساً على أهل قباء لمّا علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتمّوا صلاتهم‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏عورة - صلاة‏)‏‏.‏

19 - إن خفّ في الصّلاة معذور بعذر مسوّغ للاستناد أو الجلوس أو الاضطجاع انتقل للأعلى، كمستند قدر على الاستقلال، وجالس قدر على القيام انتقل وجوباً، فإن تركه بطلت صلاته‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏عذر - صلاة‏)‏‏.‏

20 - من علم في أثناء طوافه بنجس في بدنه أو ثوبه طرحه أو غسلهما، وبنى على ما تقدّم من طوافه إن لم يطل، وإلا بطل طوافه لعدم الموالاة‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏طواف‏)‏‏.‏

21 - هذا، ومن تصحيح العبادة ما يدخل تحت قاعدة‏:‏ بطلان الخصوص لا يبطل العموم‏.‏ جاء في المنثور‏:‏ لو تحرّم بالفرض منفردا فحضرت جماعة، قال الشّافعيّ‏:‏ أحببت أن يسلّم من ركعتين وتكون نافلة، ويصلّي الفرض، فصحّح النّفل مع إبطال الفرض‏.‏

وإذا تحرّم بالصّلاة المفروضة قبل وقتها ظانّا دخوله بطل خصوص كونها ظهرا، ويبقى عموم كونها نفلا في الأصحّ‏.‏

وإذا أحرم بالحجّ قبل أشهره ففي انعقاده عمرة قولان أصحّهما‏:‏ نعم‏.‏

وحكاه في المهذّب قولاً واحداً، قال‏:‏ لأنّها عبادة مؤقّتة، فإذا عقدها في غير وقتها انعقد غيرها من جنسها، كصلاة الظّهر إذا أحرم بها قبل الزّوال، فإنّه ينعقد إحرامه بالنّفل‏.‏

22 - وهذه القاعدة تكاد تكون مطّردة في بقيّة المذاهب في الجملة، ففي شرح منتهى الإرادات‏:‏ من أتى بما يفسد الفرض في الصّلاة - كترك القيام بلا عذر - انقلب فرضه نفلا، لأنّه كقطع نيّة الفرضيّة، فتبقى نيّة الصّلاة‏.‏ وينقلب نفلا كذلك من أحرم بفرض، ثمّ تبيّن له أنّه لم يدخل وقته، لأنّ الفرض لم يصحّ، ولم يوجد ما يبطل النّفل‏.‏

23 - وهذه القاعدة عند الحنفيّة من قبيل ما ذكروه من أنّه‏:‏ ليس من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل‏.‏ جاء في الهداية‏:‏ من صلّى العصر وهو ذاكر أنّه لم يصلّ الظّهر فهي فاسدة، إلا إذا كان في آخر الوقت، وهي مسألة التّرتيب‏.‏

وإذا فسدت الفرضيّة لا يبطل أصل الصّلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللّه تعالى، لأنّ التّحريمة عقدت لأصل الصّلاة بوصف الفرضيّة، فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل‏.‏ وقال الكاسانيّ في باب الزّكاة‏:‏ حكم المعجّل من الزّكاة، إذا لم يقع زكاة أنّه إن وصل إلى يد الفقير يكون تطوّعا، سواء وصل إلى يده من يد ربّ المال، أو من يد الإمام، أو نائبه وهو السّاعي، لأنّه حصل أصل القربة، وصدقة التّطوّع لا يحتمل الرّجوع فيها بعد وصولها إلى يد الفقير‏.‏

رابعاً‏:‏ تصحيح المسائل في الميراث

24 - تصحيح مسائل الفرائض‏:‏ أن تؤخذ السّهام من أقلّ عدد يمكن على وجه لا يقع الكسر على واحد من الورثة، سواء كان ذلك بدون الضّرب - كما في صورة الاستقامة - أو بعد ضرب بعض الرّءوس - كما في صورة الموافقة - أو في كلّ الرّءوس - كما في صورة المباينة‏.‏

ما يحتاج إليه في تصحيح المسائل الفرضيّة‏:‏

25 - لتصحيح المسائل الفرضيّة قواعد يكتفى منها بما أورده عنها شارح السّراجيّة من الحنفيّة، قال‏:‏ يحتاج ذلك إلى سبعة أصول‏:‏

ثلاثة منها بين السّهام المأخوذة من مخارجها وبين الرّءوس من الورثة‏.‏

وأربعة منها بين الرّءوس والرّءوس‏.‏

أمّا الأصول الثّلاثة‏:‏

26 - فأحدها‏:‏ إن كانت سهام كلّ فريق من الورثة منقسمة عليهم بلا كسر، فلا حاجة إلى الضّرب، كأبوين وبنتين‏.‏ فإنّ المسألة حينئذ من ستّة، فلكلّ من الأبوين سدسها وهو واحد، وللبنتين الثّلثان أعني أربعة، فلكلّ واحدة منهما اثنان، فاستقامت السّهام على رءوس الورثة بلا انكسار، فلا يحتاج إلى التّصحيح، إذ التّصحيح إنّما يكون إذا انكسرت السّهام بقسمتها على الرّءوس‏.‏

27 - والثّاني من الأصول الثّلاثة‏:‏ أن يكون الكسر على طائفة واحدة، ولكن بين سهامهم ورءوسهم موافقة بكسر من الكسور، فيضرب وفق عدد رءوسهم - أي عدد رءوس من انكسرت عليهم السّهام، وهم تلك الطّائفة الواحدة - في أصل المسألة إن لم تكن عائلة، وفي أصلها وعولها معا إن كانت عائلة، كأبوين وعشر بنات، أو زوج وأبوين وستّ بنات‏.‏ فالأوّل‏:‏ مثال ما ليس فيها عول‏.‏ إذ أصل المسألة من ستّة‏.‏ السّدسان وهما اثنان للأبوين ويستقيمان عليهما، والثّلثان وهما أربعة للبنات العشرة ولا يستقيم عليهنّ، لكن بين الأربعة والعشرة موافقة بالنّصف، فإنّ العدد العادّ لهما هو الاثنان، فرددنا عدد الرّءوس أعني العشرة إلى نصفها وهو خمسة، وضربناها في السّتّة الّتي هي أصل المسألة فصار الحاصل ثلاثين، ومنه تصحّ المسألة‏.‏

إذ قد كان للأبوين من أصل المسألة سهمان، وقد ضربناهما في المضروب الّذي هو خمسة فصار عشرة، لكلّ منهما خمسة، وكان للبنات العشر، منه أربعة، وقد ضربناها أيضا في خمسة فصار عشرين، لكلّ واحدة منهنّ اثنان‏.‏

والثّاني‏:‏ مثال ما فيها عول‏.‏ فإنّ أصلها من اثني عشر لاجتماع الرّبع والسّدسين والثّلثين‏.‏ فللزّوج ربعها وهو ثلاثة، وللأبوين سدساها وهما أربعة، وللبنات السّتّ ثلثاها وهما ثمانية‏.‏ فقد عالت المسألة إلى خمسة عشر، وانكسرت سهام البنات - أعني الثّمانية - على عدد رءوسهنّ فقط‏.‏ لكن بين عدد السّهام وعدد الرّءوس توافق بالنّصف، فرددنا عدد رءوسهنّ إلى نصفه وهو ثلاثة، ثمّ ضربناها في أصل المسألة مع عولها وهو خمسة عشر، فحصل خمسة وأربعون، فاستقامت منها المسألة‏.‏

إذ قد كان للزّوج من أصل المسألة ثلاثة، وقد ضربناها في المضروب الّذي هو ثلاثة فصار تسعة فهي له، وكان للأبوين أربعة وقد ضربناها في ثلاثة فصار اثني عشر فلكلّ منهما ستّة، وكان للبنات ثمانية فضربناها في ثلاثة فحصل أربعة وعشرون، فلكلّ واحدة منهنّ أربعة‏.‏

28 - والثّالث من الأصول الثّلاثة‏:‏ أن تنكسر السّهام أيضا على طائفة واحدة فقط، ولا يكون بين سهامهم وعدد رءوسهم موافقة، بل مباينة، فيضرب حينئذ عدد رءوس من انكسرت عليهم السّهام في أصل المسألة إن لم تكن عائلة، وفي أصلها مع عولها إن كانت عائلة، كزوج وخمس أخوات لأب وأمّ، فأصل المسألة من ستّة‏:‏ النّصف وهو ثلاثة للزّوج، والثّلثان وهو أربعة للأخوات، فقد عالت إلى سبعة، وانكسرت سهام الأخوات فقط عليهنّ، وبين عدد سهامهنّ وعدد رءوسهنّ مباينة، فضربنا عدد رءوسهنّ في أصل المسألة مع عولها وهو سبعة، فصار الحاصل خمسة وثلاثين، ومنه تصحّ المسألة‏.‏

وقد كان للزّوج ثلاثة، وقد ضربناها في المضروب وهو خمسة فصار خمسة عشر فهي له، وكان للأخوات الخمس أربعة، وقد ضربناها أيضا في خمسة فصار عشرين، فلكلّ واحدة منهنّ أربعة‏.‏ ومثال غير المسائل العائلة‏:‏ زوج وجدّة وثلاث أخوات لأمّ‏.‏

فالمسألة من ستّة، للزّوج منها نصفها وهو ثلاثة، وللجدّة سدسها وهو واحد، وللأخوات لأمّ ثلثها وهو اثنان، ولا يستقيمان على عدد رءوسهنّ، بل بينهما تباين، فضربنا عدد رءوس الأخوات في أصل المسألة فصار الحاصل ثمانية عشر، فتصحّ المسألة منها‏.‏

وقد كان للزّوج ثلاثة فضربناها في المضروب الّذي هو ثلاثة فصار تسعة، وضربنا نصيب الجدّة في المضروب أيضا فكان ثلاثة، وضربنا نصيب الأخوات لأمّ في المضروب فصار ستّة، فأعطينا كلّ واحدة منهنّ اثنين‏.‏ وينبغي أن يعلم أنّه متى كانت الطّائفة المنكسرة عليهم ذكورا وإناثا - ممّن يكون للذّكر مثل حظّ الأنثيين، كالبنات وبنات الابن الأخوات لأب وأمّ أو لأب - ينبغي أن يضعّف عدد الذّكور، ويضمّ إلى عدد الإناث، ثمّ تصحّ المسألة على هذا الاعتبار، كزوج وابن وثلاث بنات‏.‏ أصل المسألة من أربعة‏:‏ للزّوج سهم عليه يستقيم، والباقي ثلاثة، للأولاد للذّكر مثل حظّ الأنثيين، فيجعل عدد رءوسهم خمسة بأن ينزّل الابن منزلة بنتين، ولا تستقيم الثّلاثة على الخمسة، فتضرب الخمسة في أصل المسألة، فتبلغ عشرين، ومنها تصحّ‏.‏

وأمّا الأصول الأربعة الّتي بين الرّءوس والرّءوس‏:‏

29 - فأحدها‏:‏ أن يكون انكسار السّهام على طائفتين من الورثة أو أكثر، ولكن بين أعداد رءوس من انكسر عليهم مماثلة، فالحكم في هذه الصّورة أن يضرب أحد الأعداد المماثلة في أصل المسألة، فيحصل ما تصحّ به المسألة على جميع الفرق‏.‏ مثل‏:‏ ستّ بنات، وثلاث جدّات‏:‏ أمّ أمّ أمّ، وأمّ أمّ أب، وأمّ أب أب مثلا على مذهب من يورّث أكثر من جدّتين، وثلاثة أعمام‏.‏ المسألة من ستّة‏:‏ للبنات السّتّ الثّلثان وهو أربعة، ولا يستقيم عليهنّ، لكن بين الأربعة وعدد رءوسهنّ موافقة بالنّصف، فأخذنا نصف عدد رءوسهنّ وهو ثلاثة‏.‏ وللجدّات الثّلاث السّدس وهو واحد، فلا يستقيم عليهنّ ولا موافقة بين الواحد وعدد رءوسهنّ، فأخذنا جميع عدد رءوسهنّ وهو أيضا ثلاثة‏.‏ وللأعمام الثّلاثة الباقي وهو واحد أيضا، وبينه وبين عدد رءوسهم مباينة، فأخذنا جميع عدد رءوسهم‏.‏ ثمّ نسبنا هذه الأعداد المأخوذة بعضها إلى بعض فوجدناها متماثلة، فضربنا أحدها وهو ثلاثة في أصل المسألة - أعني السّتّة - فصار ثمانية عشر، فمنها تستقيم المسألة‏.‏ وكان للبنات أربعة سهام ضربناها في المضروب الّذي هو ثلاثة، فصار اثني عشر، فلكلّ واحدة منهنّ اثنان‏.‏ وللجدّات سهم واحد ضربناه أيضا في ثلاثة فكان ثلاثة، فلكلّ واحدة واحد‏.‏ وللأعمام واحد أيضا ضربناه أيضا في الثّلاثة، وأعطينا كلّ واحد سهماً واحداً‏.‏ ولو فرضنا في الصّورة المذكورة عمّا واحدا بدل الأعمام الثّلاثة، كان الانكسار على طائفتين فقط، وكان وفق عدد رءوس البنات مماثلا لعدد رءوس الجدّات، إذ كلّ منهما ثلاثة، فيضرب الثّلاثة في أصل المسألة، فيصير ثمانية عشر، وتصحّ السّهام على الكلّ كما مرّ‏.‏

30 - والأصل الثّاني من الأصول الأربعة‏:‏ أن يكون بعض الأعداد - أي بعض أعداد رءوس الورثة المنكسرة عليهم سهامهم من طائفتين أو أكثر - متداخلا في البعض، فالحكم فيها أن يضرب ما هو أكثر تلك الأعداد في أصل المسألة، كأربع زوجات وثلاث جدّات واثني عشر عمّا‏.‏ فأصل المسألة من اثني عشر‏:‏ للجدّات الثّلاث السّدس وهو اثنان، فلا يستقيم عليهنّ، وبين رءوسهنّ وسهامهنّ مباينة، فأخذنا مجموع عدد رءوسهنّ وهو ثلاثة‏.‏ وللزّوجات الأربع الرّبع وهو ثلاثة، فبين عدد رءوسهنّ وعدد سهامهنّ مباينة، فأخذنا عدد الرّءوس بتمامه‏.‏ وللأعمام الاثني عشر الباقي وهو سبعة، فلا يستقيم عليهم بل بينهما تباين، فأخذنا عدد الرّءوس بأسره‏.‏ فنجد الثّلاثة والأربعة متداخلين في الاثني عشر الّذي هو أكبر أعداد الرّءوس، فضربناه في أصل المسألة، وهو أيضا اثنا عشر فصار مائة وأربعة وأربعين، فتصحّ منها المسألة‏.‏

وقد كان للجدّات من أصل المسألة اثنان، ضربناهما في المضروب - الّذي هو اثنا عشر - فصار أربعة وعشرين، فلكلّ واحدة منهنّ ثمانية‏.‏ وللزّوجات من أصلها ثلاثة ضربناها في المضروب المذكور فصار ستّة وثلاثين، فلكلّ واحدة منهنّ تسعة‏.‏ وللأعمام سبعة ضربناها في اثني عشر أيضا فحصل أربعة وثمانون، فلكلّ واحد منهم سبعة‏.‏

ولو فرضنا في هذه الصّورة زوجة واحدة بدل الزّوجات الأربع، كان الانكسار على طائفتين فقط، أعني الجدّات الثّلاث والأعمام الاثني عشر، وكان عدد رءوس الجدّات متداخلا في عدد رءوس الأعمام، فيضرب أكثر هذين العددين المتداخلين، أي الاثني عشر في أصل المسألة، فيحصل مائة وأربعة وأربعون، فيقسم على الكلّ قياس ما سبق‏.‏

31 - والأصل الثّالث من الأصول الأربعة‏:‏ أن يوافق بعض أعداد رءوس من انكسرت عليهم سهامهم من طائفتين أو أكثر بعضا‏.‏ والحكم في هذه الصّورة أن يضرب وفق أحد أعداد رءوسهم في جميع العدد الثّاني، ثمّ يضرب جميع ما بلغ في وفق العدد الثّالث - إن وافق ذلك المبلغ العدد الثّالث - وإن لم يوافق المبلغ الثّالث فحينئذ يضرب المبلغ في جميع العدد الثّالث‏.‏ ثمّ يضرب المبلغ الثّاني في العدد الرّابع كذلك، أي في وفقه إن وافقه المبلغ الثّاني، أو في جميعه إن لم يوافقه‏.‏ ثمّ يضرب المبلغ الثّالث في أصل المسألة، كأربع زوجات وثماني عشرة بنتا وخمس عشرة جدّة وستّة أعمام‏.‏ أصل المسألة أربعة وعشرون‏:‏ للزّوجات الأربع الثّمن وهو ثلاثة، فلا يستقيم عليهنّ وبين عدد سهامهنّ وعدد رءوسهنّ مباينة، فحفظنا جميع عدد رءوسهنّ‏.‏ وللبنات الثّماني عشرة‏:‏ الثّلثان وهو ستّة عشر فلا يستقيم عليهنّ، وبين رءوسهنّ وسهامهنّ موافقة بالنّصف، فأخذنا نصف عدد رءوسهنّ وهو تسعة وحفظناه‏.‏ وللجدّات الخمس عشرة السّدس وهو أربعة فلا يستقيم عليهنّ، وبين عدد رءوسهنّ وعدد سهامهنّ مباينة، فحفظنا جميع عدد رءوسهنّ‏.‏ وللأعمام السّتّة الباقي وهو واحد لا يستقيم عليهم، وبينه وبين عدد رءوسهم مباينة، فحفظنا عدد رءوسهم‏.‏ فحصل لنا من أعداد الرّءوس المحفوظة‏:‏ أربعة وستّة وتسعة وخمسة عشر‏.‏ والأربعة موافقة للسّتّة بالنّصف فرددنا إحداهما إلى نصفها وضربناه في الأخرى، فحصل اثنا عشر، وهو موافق للتّسعة بالثّلث، فضربنا ثلث أحدهما في جميع الآخر فحصل ستّة وثلاثون، وبين هذا المبلغ الثّاني وبين خمسة عشر موافقة بالثّلث أيضا، فضربنا ثلث خمسة عشر - وهو خمسة - في ستّة وثلاثين فحصل مائة وثمانون، ثمّ ضربنا هذا المبلغ الثّالث في أصل المسألة - أعني أربعة وعشرين - فحصل أربعة آلاف وثلاثمائة وعشرون، ومنها تصحّ المسألة‏.‏ كان للزّوجات من أصل المسألة ثلاثة، ضربناها في المضروب - وهو مائة وثمانون - فحصل خمسمائة وأربعون، فلكلّ من الزّوجات الأربع مائة وخمسة وثلاثون‏.‏ وكان للبنات الثّماني عشرة ستّة عشر، وقد ضربناها في ذلك المضروب، فصار ألفين وثمانمائة وثمانين، لكلّ واحدة منهنّ مائة وستّون‏.‏ وكان للجدّات الخمس عشرة أربعة، وقد ضربناها في المضروب المذكور فصار سبعمائة وعشرين، لكلّ واحدة منهنّ ثمانية وأربعون‏.‏ وكان للأعمام السّتّة واحد ضربناه في المضروب، فكان مائة وثمانين لكلّ واحد منهم ثلاثون‏.‏ وإذا جمعت جميع أنصباء الورثة بلغ أربعة آلاف وثلاثمائة وعشرين سهماً‏.‏

32 - والأصل الرّابع من الأصول الأربعة‏:‏ أن يكون أعداد رءوس من انكسر عليهم سهامهم من طائفتين أو أكثر متباينة لا يوافق بعضها بعضا‏.‏ والحكم فيها‏:‏ أن يضرب أحد الأعداد في جميع الثّاني، ثمّ يضرب ما بلغ في جميع الثّالث، ثمّ ما بلغ في جميع الرّابع، ثمّ يضرب ما اجتمع في أصل المسألة‏.‏ كزوجتين وستّ جدّات وعشر بنات وسبعة أعمام‏.‏ أصل المسألة‏:‏ أربعة وعشرون‏.‏ للزّوجتين الثّمن وهو ثلاثة لا يستقيم عليهما، وبين عدد رءوسهما وعدد سهامهما مباينة، فأخذنا عدد رءوسهما وهو اثنان‏.‏ وللجدّات السّتّ‏:‏ السّدس وهو أربعة لا يستقيم عليهنّ، وبين عدد رءوسهنّ وعدد سهامهنّ موافقة بالنّصف، فأخذنا نصف عدد رءوسهنّ وهو ثلاثة، وللبنات العشر‏:‏ الثّلثان هو ستّة عشر فلا يستقيم عليهنّ، وبين عدد رءوسهنّ وعدد سهامهنّ موافقة بالنّصف، فأخذنا نصف عدد رءوسهنّ وهو خمسة‏.‏ وللأعمام السّبعة الباقي وهو واحد، لا يستقيم عليهم، وبينه وبين عدد رءوسهم مباينة فأخذنا عدد رءوسهم وهو سبعة‏.‏ فصار معنا من الأعداد المأخوذة للرّءوس‏:‏ اثنان وثلاثة وخمسة وسبعة‏.‏ وهذه كلّها أعداد متباينة‏.‏ فضربنا الاثنين في الثّلاثة فحصل ستّة، ثمّ ضربنا السّتّة في خمسة فحصل ثلاثون، ثمّ ضربنا هذا المبلغ في سبعة فصار مائتين وعشرة، ثمّ ضربنا هذا المبلغ في أصل المسألة - وهو أربعة وعشرون - فصار المجموع خمسة آلاف وأربعين‏.‏ ومنها تستقيم المسألة على جميع الطّوائف‏.‏ إذ كان للزّوجتين من أصل المسألة ثلاثة، فضربناها في المضروب - الّذي هو مائتان وعشرة - فحصل ستّمائة وثلاثون، لكلّ واحدة منهما ثلاثمائة وخمسة عشر‏.‏ وكان للجدّات السّتّ أربعة، فضربناها في ذلك المضروب المذكور فصار ثمانمائة وأربعين، لكلّ واحدة منهم مائة وأربعون‏.‏ وكان للبنات العشر ستّة عشر، ضربناها في المضروب المذكور فبلغ ثلاثة آلاف وثلاثمائة وستّين، لكلّ واحدة منهنّ ثلاثمائة وستّة وثلاثون‏.‏ وكان للأعمام السّبعة واحد، ضربناه في ذلك المضروب فكان مائتين وعشرة، لكلّ واحد منهم ثلاثون‏.‏ ومجموع هذه الأنصباء خمسة آلاف وأربعون‏.‏ وذكر بعض الشّافعيّة والحنابلة أنّه قد علم بالاستقراء أنّ انكسار السّهام لا يقع على أكثر من أربع طوائف‏.‏

33 - هذا ولا يختلف فقهاء المذاهب الأخرى عن الحنفيّة، فيما ذهبوا إليه في تصحيح المسائل الفرضيّة، توصّلا إلى معرفة نصيب كلّ وارث على نحو ما ذكر‏.‏

تصحيف

انظر‏:‏ تحريف‏.‏

تصدّق

انظر‏:‏ صدقة‏.‏

تصديق

انظر‏:‏ تصادق‏.‏

تصرّف

التّعريف

1 - التّصرّف لغة‏:‏ التّقلّب في الأمور والسّعي في طلب الكسب‏.‏

وأمّا في الاصطلاح فلم يذكر الفقهاء في كتبهم تعريفا للتّصرّف، ولكن يفهم من كلامهم أنّ التّصرّف هو‏:‏ ما يصدر عن الشّخص بإرادته، ويرتّب الشّرع عليه أحكاماً مختلفة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الالتزام‏:‏

2 - الالتزام مصدر التزم‏.‏ ومادّة لزم تأتي في اللّغة بمعنى‏:‏ الثّبوت والدّوام والوجوب والتّعلّق بالشّيء أو اعتناقه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ إلزام الشّخص نفسه ما لم يكن لازماً له، أي ما لم يكن واجباً عليه قبل فهو أعمّ من التّصرّف، لأنّ التّصرّف إنّما يكون بالاختيار والإرادة‏.‏

ب - العقد‏:‏

3 - العقد في اللّغة‏:‏ الضّمان والعهد‏.‏ واصطلاحا‏:‏ ارتباط الإيجاب بالقبول الالتزاميّ، كعقد البيع والنّكاح وغيرهما على وجه تترتّب عليه آثاره‏.‏

وذكر الزّركشيّ أنّ العقد باعتبار الاستقلال به وعدمه على ضربين‏:‏ ضرب ينفرد به العاقد، كالتّدبير والنّذور وغيرها‏.‏ وضرب لا بدّ فيه من متعاقدين كالبيع والإجارة والنّكاح وغيرها‏.‏

الفرق بين التّصرّف والالتزام والعقد

4 - يتّضح ممّا قاله الفقهاء في معنى الالتزام والعقد والتّصرّف‏:‏ أنّ التّصرّف أعمّ من العقد بمعنييه العامّ والخاصّ، لأنّ التّصرّف قد يكون في تصرّف لا التزام فيه كالسّرقة والغصب ونحوهما، وهو كذلك أعمّ من الالتزام‏.‏

أنواع التّصرّف

5 - التّصرّف نوعان‏:‏ تصرّف فعليّ وتصرّف قوليّ‏.‏

النّوع الأوّل‏:‏ التّصرّف الفعليّ

6 - هو ما كان مصدره عملا فعليّا غير اللّسان، بمعنى أنّه يحصل بالأفعال لا بالأقوال‏.‏ ومن أمثلته‏.‏

أ - الغصب‏:‏ وهو في اللّغة‏:‏ أخذ الشّيء قهراً وظلماً‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ أخذ مال قهرا تعدّيا بلا حرابة‏.‏ فالغصب فعل وليس قولاً‏.‏

ب - قبض البائع الثّمن من المشتري، وتسلّم المشتري المبيع من البائع‏.‏

وهكذا سائر التّصرّفات الّتي يعتمد المتصرّف في مباشرتها على الأفعال دون الأقوال‏.‏

النّوع الثّاني‏:‏ التّصرّف القوليّ

7 - وهو الّذي يكون منشؤه اللّفظ دون الفعل، ويدخل فيه الكتابة والإشارة، وهو نوعان‏:‏ تصرّف قوليّ عقديّ، وتصرّف قوليّ غير عقديّ‏.‏

أ - التّصرّف القوليّ العقديّ‏:‏

8 - وهو الّذي يتمّ باتّفاق إرادتين، أي أنّه يحتاج إلى صيغة تصدر من الطّرفين وتبيّن اتّفاقهما على أمر ما، ومثال هذا النّوع‏:‏ سائر العقود الّتي لا تتمّ إلا بوجود طرفين أي الموجب والقابل، كالإجارة والبيع والنّكاح والوكالة، فإنّ هذه العقود لا تتمّ إلّا برضا الطّرفين‏.‏ وتفصيل ذلك محلّه المصطلحات الخاصّة بتلك العقود‏.‏

ب - التّصرّف القوليّ غير العقديّ‏.‏ وهو ضربان‏:‏

9 - أحدهما‏:‏ ما يتضمّن إرادة إنشائيّة وعزيمة مبرمة من صاحبه على إنشاء حقّ أو إنهائه أو إسقاطه، وقد يسمّى هذا الضّرب تصرّفا عقديّا لما فيه من العزيمة والإرادة المنشئة أو المسقطة للحقوق، وهذا على قول من يرى أنّ العقد بمعناه العامّ يتناول العقود الّتي تكون بين طرفين كالبيع والإجارة، والعقود الّتي ينفرد بها المتصرّف كالوقف والطّلاق والإبراء والحلف وغيرها كما سبق، ومن أمثلته الوقف والطّلاق، وتفصيل ذلك في المصطلحات الخاصّة بهما‏.‏

10 - الضّرب الثّاني‏:‏ تصرّف قوليّ لا يتضمّن إرادة منشئة، أو منهيّة، أو مسقطة للحقوق، بل هو صنف آخر من الأقوال الّتي تترتّب عليها أحكام شرعيّة، وهذا الضّرب تصرّف قوليّ محض ليس له شبه بالعقود، ومن أمثلته‏:‏ الدّعوى، والإقرار‏.‏

وتفصيل ذلك في المصطلحات الخاصّة بهما‏.‏

11 - هذا والعبرة في تميّز التّصرّف القوليّ عن الفعليّ مرجعها موضوع التّصرّف وصورته، لا مبناه الّذي بني عليه‏.‏

12 - والتّصرّف بنوعيه القوليّ والفعليّ يندرج فيه جميع أنواع التّصرّفات، سواء أكانت تلك التّصرّفات عبادات كالصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ‏.‏

أم تمليكات ومعاوضات كالبيع، والإقالة، والصّلح والقسمة، والإجارة، والمزارعة، والمساقاة، والنّكاح، والخلع، والإجازة، والقراض‏.‏

أم تبرّعات كالوقف، والهبة، والصّدقة، والإبراء عن الدّين‏.‏ أم تقييدات كالحجر، والرّجعة، وعزل الوكيل‏.‏

أم التزامات كالضّمان، والكفالة، والحوالة، والالتزام ببعض الطّاعات‏.‏

أم إسقاطات كالطّلاق، والخلع، والتّدبير، والإبراء عن الدّين‏.‏ أم إطلاقات كالإذن للعبد بالتّجارة، والإذن المطلق للوكيل بالتّصرّف‏.‏

أم ولايات كالقضاء، والإمارة، والإمامة، والإيصاء‏.‏ أم إثباتات كالإقرار، والشّهادة، واليمين، والرّهن‏.‏ أم اعتداءات على حقوق الغير الماليّة وغيرها كالغصب والسّرقة‏.‏

أم جنايات على النّفس والأطراف والأموال أيضا‏.‏ لأنّ تلك التّصرّفات على اختلاف أنواعها لا تخرج عن كونها أقوالا أو أفعالا فيكون التّصرّف بنوعيه القوليّ والفعليّ شاملاً لها‏.‏

هذا، وأمّا شروط صحّة التّصرّف ونفاذه فليس هذا البحث محلّ ذكرها، سواء ما كان منها يرجع إلى المتصرّف أم إلى نفس التّصرّف، لأنّ محلّ ذكر تلك الشّروط المصطلحات الخاصّة بكلّ من هذه التّصرّفات‏.‏

تصريح

انظر‏:‏ صريح‏.‏

تَصْرِية

التّعريف

1 - التّصرية لغة‏:‏ مصدر صرّى، يقال‏:‏ صرّ النّاقة أو غيرها تصرية‏:‏ إذا ترك حلبها، فاجتمع لبنها في ضرعها‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ ترك البائع حلب النّاقة أو غيرها عمدا مدّة قبل بيعها، ليوهم المشتري كثرة اللّبن‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - التّصرية حرام باتّفاق الفقهاء، إذا قصد البائع بذلك إيهام المشتري كثرة اللّبن، لحديث‏:‏ «مَنْ غَشّنا فليس منّا» وحديث‏:‏ ‏{‏بَيعُ المحفَّلات خِلابة، ولا تَحِلُّ الخلابة لمسلم‏}‏‏.‏ ولما فيه من التّدليس والإضرار‏.‏

الحكم الوضعيّ ‏(‏الأثر‏)‏

3 - ذهب الأئمّة‏:‏ مالك والشّافعيّ وأحمد، وأبو يوسف إلى أنّ تصرية الحيوان عيب يثبت الخيار للمشتري‏.‏ ويستوي في ذلك الأنعام وغيرها ممّا يقصد إلى لبنه‏.‏ وذلك لما فيه من الغشّ والتّغرير الفعليّ، ولحديث‏:‏ «لا تصرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنّه بخير النّظرين بعد أن يحتلبها‏:‏ إن شاء أمسك، وإن شاء ردّها وردّ معها صاعا من تمر» ويردّ معها عوضا عن لبنها إن احتلب، وهذا محلّ اتّفاق بين هؤلاء الأئمّة، وإن اختلفوا في نوع العوض كما سيأتي‏.‏ كما اتّفقوا على أنّ العوض خاصّ بالأنعام‏.‏

وذهب أبو حنيفة إلى أنّه لا يردّ الحيوان بالتّصرية، ولا يثبت الخيار بها، لأنّ التّصرية ليست بعيب، بدليل أنّه لو لم تكن مصرّاة فوجدها أقلّ لبنا من أمثالها لم يملك ردّها، والتّدليس بما ليس بعيب لا يثبت الخيار‏.‏ ولا يردّ معها صاعا من تمر، لأنّ ضمان العدوان بالمثل أو القيمة، والتّمر ليس مثلا ولا قيمة، بل يرجع المشتري بأرش النّقصان على البائع - والأرش هنا‏:‏ هو التّعويض عن نقصان المبيع -‏.‏

نوع العوض عن اللّبن

4 - اختلف الفقهاء في ردّ العوض، وفي نوعه‏.‏

فذهب الإمام أحمد، وهو الصّحيح عند الشّافعيّة، إلى أنّ العوض هو صاع من تمر، وذلك للحديث السّابق، وقد نصّ فيه على التّمر‏:‏ «وإن شاء ردّها وردّ معها صاعا من تمر»‏.‏

وذهب الإمام مالك إلى أنّ العوض هو صاع من غالب قوت البلد، وهو القول الآخر للشّافعيّة‏.‏ وقال مالك‏:‏ إنّ بعض ألفاظ الحديث جاء فيها‏:‏ «فإن ردّها ردّ معها صاعاً من طعام» وتنصيص التّمر في الحديث ليس لخصوصه، وإنّما كان غالب قوت المدينة آنذاك‏.‏ وعند أبي يوسف يردّ قيمة اللّبن المحتلب، لأنّه ضمان متلف، فكان مقدّرا بقيمته كسائر المتلفات‏.‏ ثمّ عند الجمهور‏:‏ هل يجب ردّ اللّبن نفسه إذا كان موجوداً‏؟‏ ذهب أحمد إلى أنّ للمشتري ردّ اللّبن إذا لم يتغيّر، ولا يلزمه شيء آخر، ولا يجوز للبائع رفضه‏.‏

الواجب عند انعدام التّمر

5 - ذهب الحنابلة إلى أنّ الواجب في هذا الحال قيمة التّمر في الموضع الّذي وقع فيه العقد وذهب الشّافعيّة - في الوجه الأصحّ - إلى أنّ عليه قيمة التّمر في أقرب البلاد الّتي فيها تمر، وفي الوجه الآخر عليه قيمة التّمر بالحجاز‏.‏ ولا يختلف الحكم عند مالك بانعدام التّمر، لأنّ الواجب عنده مطلقا صاع من غالب قوت أهل البلد‏.‏

هل يختلف الحكم بين كثرة اللّبن وقلّته‏؟‏

6 - لا خلاف بين من يرى ردّ صاع مع المصرّاة في أنّه لا عبرة بكثرة اللّبن وقلّته، ولا بين أن يكون الصّاع مثل قيمة لبن الحيوان أو أقلّ أو أكثر، لأنّه بدل قدّره الشّرع‏.‏ ويشترط في جواز ردّ المصرّاة‏:‏

أ - أن لا يعلم المشتري أنّها مصرّاة، فإن علم قبل الشّراء وقبل حلبها فلا يثبت له الخيار‏.‏ ب - أن يقصد البائع التّصرية، فإن لم يقصد ذلك كأن ترك حلبها ناسيا أو لشغل، أو تصرّت بنفسها فوجهان عند الشّافعيّة في ثبوت الخيار‏.‏ وعند الحنابلة يثبت له الخيار لدفع الضّرر اللّاحق بالمشتري، والضّرر واجب الدّفع شرعا، قصد أم لم يقصد، فأشبه العيب‏.‏ ج - وأن يردّها بعد الحلب، فإن ردّها قبل الحلب فلا شيء عليه بالاتّفاق، لأنّ الصّاع إنّما وجب عوضا عن اللّبن المحلوب ولم يحلب‏.‏

وللخبر الّذي قيّد ردّ الصّاع بالاحتلاب، ولم يوجد‏.‏

وإذا أراد المشتري إمساك المصرّاة وطلب الأرش لم يكن له ذلك، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يجعل للمصرّاة أرشا، وإنّما خيّر المشتري بين شيئين‏:‏ «إن شاء أمسك، وإن شاء ردّها وصاعا من تمر» ولأنّ التّصرية ليست بعيب، فلم يستحقّ من أجلها عوضاً‏.‏

7 - وإذا اشترى مصرّاتين أو أكثر في عقد واحد فردّهنّ، ردّ مع كلّ مصرّاة صاعا، وبهذا قال الشّافعيّ وبعض أصحاب مالك‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ في الجميع صاع واحد، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من اشترى غنما مصرّاة فاحتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر»‏.‏ وللحنابلة عموم قوله صلى الله عليه وسلم «من اشترى مصرّاة» و «من اشترى محفّلة» وهذا يتناول الواحدة، ولأنّ ما جعل عوضاً عن الشّيئين في صفقتين، وجب إذا كانا في صفقة واحدة كأرش العيب‏.‏

مدّة الخيار

8 - الرّدّ يكون على الفور كالرّدّ في خيار العيب عند الشّافعيّة‏.‏

وللحنابلة في المدّة ثلاثة أقوال‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّها مقدّرة بثلاثة أيّام، وليس له الرّدّ قبل مضيّها، ولا إمساكها بعدها، وهو ظاهر قول أحمد‏.‏ لحديث مسلم‏:‏ «فهو بالخيار ثلاثةَ أيّامٍ»‏.‏

والثّاني‏:‏ أنّه متى ثبتت التّصرية جاز له الرّدّ قبل الثّلاثة وبعدها، لأنّه تدليس يثبت الخيار، فملك الرّدّ إذا تبيّنه كسائر التّدليس‏.‏

والثّالث‏:‏ أنّه متى علم التّصرية ثبت له الخيار في الأيّام الثّلاثة إلى تمامها‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ لا يردّ إن حلبها في اليوم الثّالث إن حصل الاختيار في اليوم الثّاني‏.‏